حكم إفطار المريض في نهار رمضان وكيفية القضاء

تاريخ النشر : 2021-03-04

عدد المشاهدات : 913

مرات التحميل : 0

مشاركة


    لا يوجد ملفات للتحميل
أضف الى المفضلة

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم إفطار المريض في نهار رمضان وكيفية القضاء

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فيحتاج كثير من الناس لمعرفة حكم الصيام مع المرض، وكيفية القضاء إذا أفطر الصائم، ويمكن توضيح ذلك من خلال ما يأتي:

أولاً: أقسام المرض من حيث: حكم الصيام، وجواز الفطر:

ينقسم المرض من حيث: حكم الصيام، وجواز الفطر، إلى ثلاثة أقسام([1]):

القسم الأول: أن لا يَشقَّ الصيام على المريض ولا يضره، فيجب عليه الصوم؛ ويحرم عليه الفطر؛ لعدم وجود العذر المبيح للفطر.

كالمصاب بالزكام اليسير، أو الصداع اليسير، أو وجع الضرس، ونحو ذلك.

وفي بعض الحالات قد يخفف الصيام عن المرضى، أو يكون علاجاً لهم؛ كبعض المرضى بأمراض الجهاز الهضمي وارتفاع ضغط الدم، ونحوها.

القسم الثاني: أن يشق الصيام على المريض ولا يضره، فيستحب له الفطر ويكره له الصوم.

كمَنْ يخشى -إذا صام- زيادة المرض، أو تأخر الشفاء، أو حصول مرض آخر، ويدل على ذلك:

1- قول الله -تعالى-: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة:185].

2- لأنه تركٌ لرخصة الله -تعالى-، وتعذيبٌ لنفسه؛ والنبي ﷺ يقول: «إِنَّ اللهَ ‌يُحِبُّ ‌أَنْ ‌تُؤْتَى ‌رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ»([2]).

قال ابن حزم -رحمه الله-: "وَاتَّفَقُوا على أَن ‌الْمَرِيض ‌إذا ‌تحامل ‌على ‌نَفسه ‌فصَام أَنه يُجزئهُ، وَاتَّفَقُوا على أَنَّ مَن آذاه الْمَرَض وَضعف عَن الصَّوْم فَلهُ أَن يُفْطِر"([3]).

القسم الثالث: أن يَضُرَّ الصوم المريض، فيجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم.

كمن يخشى الهلاك إذا صام، أو تفويت منفعة عضو، أو أذىً شديداً، ويدل على ذلك:

1- قول الله -تعالى-:﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[النساء:29].

2- قول النبي ﷺ: «لَا ‌ضَرَرَ ‌وَلَا ‌ضِرَارَ»([4]).

ثانياً: أقسام المرضى المفطرين من حيث: كيفية القضاء:

ينقسم المرضى المفطرون في رمضان -من حيث كيفية القضاء- إلى قسمين([5]):

القسم الأول: المرضى بمرضٍ مؤقت يعرف علاجه:

يجب على المرضى بمرضٍ مؤقت يُعرف علاجه قضاء الأيام التي أفطروها بعد الشفاء، ويستحب تعجيل القضاء، ولا يجوز تأخيره إلى ما بعد رمضان الثاني بدون عذر، دل على ذلك:

1- قول الله -عز وجل-: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:185].

2- ما جاء عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَمَا تَقْدِرُ عَلَى ‌أَنْ ‌تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ»([6]).

القسم الثاني: المرضى بمرضٍ مزمن لا يُعرف له علاج:

 المريض بمرض مزمن ولا يُعرف له علاج حسب تقدير الأطباء، ويعجزون عن الصوم، لا يجب عليه الصيام ولا القضاء، ولكن يجب عليه الإطعام عن كل يومٍ مسكينا بدلاً من الصيام.

 كالمرضى بمرض السرطان في المراحل المتأخرة، وبعض حالات مرضى السكري، ويدل على ذلك:

1- قول الله -عز وجل-: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾[البقرة:184]، فالله -سبحانه- جعل الإطعام معادلاً للصيام حين كان التخيير بينهما، أول ما فرض الصيام، فتعين أن يكون بدلاً عن الصيام عند العجز عنه؛ لأنه معادل له.

2- ما جاء عَنْ عَطَاءٍ: «سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، ‌وَالْمَرْأَةُ ‌الْكَبِيرَةُ، لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَلْيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا)»([7]).

ثالثاً: كيفية إطعام العاجز عن الصوم، ووقت إخراجه:

الواجب على العاجز عن الصوم إخراج الكفارة للمسكين طعاماً، ولا يجزئ إخراجها نقوداً، عند جمهور أهل العلم.

ويُخَيَّر في الإطعام بين أحد أمرين:

الأول: أن يُفرِّق الطعام حَبّاً -أي: غير مطبوخ- على المساكين، لكل مسكين مُدّ من الطعام، كَبُرٍ أو أرز، أي ربع صاع نبوي([8])، ويعادل (750) غرام تقريباً، دل على ذلك:

1- ما جاء عن أوس بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ ‌شَعِيرٍ ‌إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»([9]). وإذا قسمنا الخمسة عشر صاعا على ستين مسكين يكون نصيب كل واحد منهم ربع صاع.

2- ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: «‌إِذَا ‌عَجَزَ ‌الشَّيْخُ ‌الْكَبِيرُ عَنِ الصِّيَامِ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مَدًّا مَدًّا»([10]).

الثاني: أن يُصلح طعاماً فيدعو إليه مساكين بقدر الأيام التي أفطرها؛ لما ورد عن أنس -رضي الله عنه- أنه (بَعْدَمَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ ‌كُلَّ ‌يَوْمٍ ‌مِسْكِينًا ‌خُبْزًا ‌وَلَحْمًا وَأَفْطَرَ)([11]).

وقت إخراج الإطعام:

يجوز إخراج فدية الطعام ‌يَوْمًا ‌بَعْدَ ‌يَوْمٍ، في خلال اليوم أو بعد انتهائه، ويجوز تأخير إخراجها إلى آخر رمضان، فيخرجها عن جميع الشهر؛ لما جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه ضعف عن الصوم عاما، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم"([12]).

تنبيه:

لا يجوز تعجيل الإطعام قبل دخول رمضان، ولا إخراجه في أول شهر رمضان عن جميع الشهر، أو إخراج الإطعام عن يوم قبل طلوع فجره، في قول أكثر أهل العلم؛ لما في ذلك من تقديم الفدية على سبب وجوبها([13])([14]).

 

([1]( انظر: بدائع الصنائع (2/151)، المحيط البرهاني (2/359)، البحر الرائق (2/492)، الفتاوى الهندية (1/227)، المنتقى (3/62، 78)، الاستذكار (3/338)، حاشية الخرشي (3/55)، حاشية الدسوقي (2/170)، المجموع (6/261)، روضة الطالبين (1/217)، مغني المحتاج (2/169)، المغني (4/404)، الإنصاف (7/367)، مجالس شهر رمضان ص (33)، الشرح الممتع (6/328، 341)، النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي بالصيام ص (91-102).

([2]) رواه أحمد (٥٨٦٦) واللفظ له، والبيهقي في الكبير (٥٤٨١)، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (1/471)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1886)، وشعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند.

([3]( مراتب الإجماع (ص71).

([4]) رواه مالك (٣١)، وأحمد (22778)، وابن ماجه (٢٣٤١)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (250).

([5]( انظر: مجالس شهر رمضان ص (29)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).

([6]) رواه مسلم (١١٤٦).

([7]) رواه البخاري (4505).

([8]( هذا ما اختاره الشيخ محمد العثيمين، واختار الشيخ عبدالعزيز بن باز نصف صاع لكل مسكين (كيلو ونصف تقريبا). انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، مجالس شهر رمضان ص (29)، الشرح الممتع (6/338-340)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).

([9]) رواه أبوداود (٢٢١٨)، والبيهقي في الكبير (١٥٣٧٧)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1921).

([10]) رواه الدارقطني (٢٣٧٤) وقال: "إِسْنَادٌ صَحِيحٌ" وأقرّه الألباني في الإرواء (912)، والبيهقي (8391).

([11]) أخرجه البخاري معلقا قبل حديث (4505).

([12]) رواه أبو يعلى (4194)، والهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ"، والدارقطني (٢٣٩٠) وقال الألباني في الإرواء (912): "وسنده صحيح أيضاً، وعلق البخاري بنحوه".

([13]( هذا ما اختاره الشيخ محمد العثيمين، واختار الشيخ عبدالعزيز بن باز جواز إخراجه في أول الشهر أو وسطه أو آخره. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، مجالس شهر رمضان ص (29)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).

([14]( واختار الشيخ محمد العثيمين أن يكون عدد المساكين على عدد الأيام فلا يجزئ أن يعطي المسكين الواحد من الطعام أكثر من فدية يوم واحد؛ للقراءة المشهورة السبعية في قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) بالجمع، واختار الشيخ عبدالعزيز بن باز جواز دفع إطعام جميع الأيام لمسكين واحد أو أكثر. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، الشرح الممتع (6/340)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).


التعليقات

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

لقدوصلت للحدالاقصى

0 /