حكم الصوم في السفر
تاريخ النشر : 2021-03-04
عدد المشاهدات : 1825
مرات التحميل : 0
-
لا يوجد ملفات للتحميل

حكم الصوم في السفر([1])
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فإن المسافر في نهار رمضان مخيَّرٌ بين الصيام أو الفطر، سواءٌ أطالتْ مدةُ سفره أمْ قصُرتْ؛ وذلك لما يأتي:
1- عموم قوله -تعالى-: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة:185].
2- حديث أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه-، قال «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ»([2]).
والأفضل للمسافر فِعلُ الأسهلِ عليه؛ من الصيام أو الفِطرِ، ويتضح ذلك من خلال الأحوال الأربعة الآتية:
الحال الأولى: أن يكون الصوم والفطر للمسافر سواء، فلا يجد مشقة زائدة في الصيام في السفر عن الحضر، فهذا الأفضل له: الصوم، ويجوز له الفطر؛ وذلك لما يأتي:
1- ما جاء عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ. فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ ﷺ: «هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ»([3]).
2- ما جاء عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه-، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَابْنِ رَوَاحَةَ»([4]).
3- لأنَه أسْرعُ في إبراء ذمته، كما أن صيامه معَ الناسِ أنشط له.
الحال الثانية: أن يجد المسافر مشقة في الصوم، فهذا الأفضل له الفطر، ويكره له الصوم؛ لما جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ»([5]).
الحال الثالثة: أن يجد المسافر في الصوم مشقةً شديدةً أو ضرراً، فهذا يجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم؛ لحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-؛ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ. فَصَامَ، حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ. فَصَامَ النَّاسُ. ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فَرَفَعَهُ. حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ. ثُمَّ شَرِبَ. فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»([6]).
الحالة الرابعة: أنْ يُحَصِّل المسافر بالفطر زيادة عبادة أو مصلحة؛ كأن يتقوى به على الجهاد، أو على أداء العمرة، فالأفضل له الفطر، ويجوز له الصوم، لما جاء عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: سَافَرْنَا مَعَ رسول الله ﷺ إلى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ. قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ». فَكَانَتْ رُخْصَةً. فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ. ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ. فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مصبحوا عَدُوِّكُمْ. وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا» وَكَانَتْ عَزْمَةً. فأفطرنا. ثم قال: رَأَيْتُنَا نَصُومُ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بعد ذلك، في السفر([7]).
([1]( انظر: مجموع فتاوى محمد العثيمين (19/30، 135).
([2]( رواه البخاري (1947) واللفظ له، ومسلم (1116) بلفظ: "غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ".
([3]( رواه مسلم (1121).
([4]( رواه البخاري (1945)، ومسلم رقم (1122).
([5]( رواه البخاري (1946) واللفظ له، ومسلم (1115).
([6]( رواه مسلم (1114).
([7]( رواه مسلم (1120).
مقالات مقترحة
أحكام الحج ومسائله
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان أحكام الحج ومسائله
1768
0
حكم عيد ميلاد المسيح (الك...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان حكم عيد ميلاد المسيح (الكريسماس)
2422
17
التحذير من التساهل بالحجا...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان التحذير من التساهل بالحجاب بالشرعي
1355
0
التعليقات
أضف تعليق