صفات صلاة الوتر بثلاث ركعات، وحكم متابعة الإمام فيها
Publish Date : 2023-03-28
Views: 990
download: 0
-
There are no files to download
صفات صلاة الوتر بثلاث ركعات، وحكم متابعة الإمام فيها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
الإيتار بثلاث ركعات له ثلاث صفات؛ صِفتان منها مشروعتان، أمَّا الثالثة فمُخْتَلَفٌ في مشروعيتها:
الصفة الأولى: أنْ يُصلي رَكعتين ثم يُسَلِّم، ثم يُوتِرَ بواحدة، وهذه الصفة مستحبة، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة([1])، وذلك لما يأتي:
١- ما جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَفْصِلُ بَيْنَ الْوَتْرِ وَالشَّفْعِ بِتَسْلِيمَةٍ، وَيُسْمِعُنَاهَا»([2]).
٢- الأثر المروي عَنْ نَافِعٍ: «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ»([3]).
الصفة الثانية: أنْ يصلي الركعات الثلاث متصلة بِتَشهدٍ واحدٍ؛ وهذه الصفة مستحبة([4]) -كذلك-، وهو مذهب الشافعية والحنابلة([5])، واختاره ابن تيمية وابن حجر والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين؛ وذلك لما يأتي:
1- حديث أبي أيوب -رضي الله عنه-، قال: قال النبي ﷺ: «الوتر حقٌّ على كلّ مسلمٍ، فمن أحبّ أن يوتر بخمسٍ فليفعل، ومن أحبّ أن يوتر بثلاثٍ فليفعل، ومن أحبّ أن يوتر بواحدةٍ فليفعل»([6]).
2- حديث أبيّ بن كعبٍ-رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله ﷺ " يقرأ في الوتر في الرّكعة الأولى بسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الرّكعة الثّانية بقل يا أيّها الكافرون، وفي الرّكعة الثّالثة بقل هو الله أحدٌ، ولا يسلّم إلّا في آخرهنّ، ويقول بعد التّسليم: «سبحان الملك القدّوس»([7]).
3- حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان النبي ﷺ لا يُسلِّم في الركعتين الأُولَيَينِ من الوتر»([8])، وفي لفظٍ: «كان رسول الله ﷺ يُوتِر بثلاثٍ لا يقعدُ إلا في آخرِهنَّ»"([9]).
فدلت هذه الأحاديث على سنية الإيتار بثلاث ركعات.
ولا يُعترض عليها بحديث: «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ، أَوْ بِسَبْعٍ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ»([10]).
إذ هذا محمول على ما كان بثلاث ركعات متصلة بتشهدين؛ كهيئة المغرب. قال الأمير الصنعاني: "وقد جمع بينهما([11]) بأنّ النهي عن الثلاث إذا كان يقعد للتشهد الأوسط؛ لأنّه يشبه المغرب، وأمّا إذا لم يقعد إلّا في آخرها فلا يشبه المغرب، وهو جمعٌ حسنٌ، وقد أيّده حديث عائشة عند أحمد، والنسائي، والبيهقي، والحاكم: «كان -صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاثٍ لا يجلس إلّا في آخرهن»، ولفظ أحمد: «كان يوتر بثلاثٍ لا يفصل بينهنّ»، ولفظ الحاكم([12]): «لا يقعد»"([13]).
فهاتان الصفتان وردت بهما السُّنةُ، فإذا فَعَلَ هذه تارة، وهذه تارة فَحَسَنٌ.
الصفة الثالثة: أنْ يصلي الركعات الثلاث بتحريمة واحدة، وتشهدين، وتسليمة واحدة في آخرهن؛ كصلاة المغرب، وهذه الصفة اختلف العلماء في مشروعيتها، كما يلي:
1- ذهب الحنفية إلى سنيّتها.
2- ذهب المالكية([14]) والشافعية -في وجه- والحنابلة إلى كراهتها، واختاره الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ، أَوْ بِسَبْعٍ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ»([15])، فهذا نهي، وأقل أحواله الكراهة.
تنبيه:
لا شك في وجوب متابعة الإمام في الصفتين الأوليين المستحبتين، وكذلك يجب متابعته إذا صَلَّى على الصفة الثالثة، والتي جاء النهي عنها، ولا يسوغ ترك الصلاة خلفه؛ وذلك لما يأتي:
١- وجود مَن يُجيز ذلك من العلماء، فالمسألة خلافية.
٢- أنَّ تَرْك الصلاة خلفه يُسَبِّب الفُرقة ووقوع الفتنة بين أهل المسجد([16]).
[1]وذهب الحنفية إلى عدم مشروعيتها.
[2] أخرجه أحمد (5461) وابن حبان (٦٢٧٤)، وقوّى إسناده الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/482)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان" (٢٤٢٥).
[3] رواه البخاري (991).
[4] ويؤيده فعل الصحابة -رضي الله عنهم-، والتابعين، ومن ذلك: ما روي عن ثابت عن أنس -رضي الله عنه- (أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن)، وعن ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: (الْوِتْرُ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُجْلَسُ إِلَّا فِي الثَّالِثَةِ). وعن عطاء أنه (كان يوتر بثلاث ركعات لا يجلس فيهن ولا يتشهد إلا في أخراهن). وعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ). انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ت الشثري (4/ 497)، مصنف عبدالرزاق (3/ 309)، "المستدرك" للحاكم (1/447)، "السنن الكبرى" للبيهقي (5/430).
[5] وذهب المالكية إلى كراهتها.
[6] أخرجه أبو داود (1422) واللفظ له، والنسائي (1712) باختلاف يسير، وابن ماجه (1190) بنحوه، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1278)، وقال: "قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2403)، والحاكم والنووي والذهبي".
[7] رواه النسائي (1700)، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1606).
[8] أخرجه الحاكم في "المستدرك" (١١٥٢)، والبيهقي في "الكبير" (٤٨٦٥)، والنسائي (١٦٩٨)، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه". وقال النووي في "المجموع" (4/17-18): "رواه النسائي بإسناد حسن، ورواه البيهقي في السنن الكبيرة بإسناد صحيح".
[9] أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1153)؛ كشاهد للحديث الذي قبله؛ والذي حكم بصحَّته.
[10] رواه ابن حبان (2429) والدارقطني (١٦٥٠) والحاكم (١١٣٨) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" ووافقه الذهبي. وقال ابن حجر في "الفتح" (2/481): "إسناده على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان" (٢٤٢٠).
[11] أي: جمع بينهما الحافظ ابن حجر، انظر: فتح الباري (2/281).
[12] سبق تخريجه.
[13] "سبل السلام" (3/18-19).
[14] يرى المالكية أن صفة الوتر أن يأتي بركعة قبلها شفع منفصل منها، وليس لما قبلها من الفعل حد، وأقله ركعتان، ولا يوتر بركعة منفردة عن شفع قبلها.
[15] سبق تخريجه.
[16] "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (٢/٤٧٦).
Suggested Articles

حكم قص الشعر والظفر والبش...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان حكم قص الشعر والظفر والبشرة للمضحي
1930
3

حكم التكبير في عشر ذي الح...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان حكم التكبير في عشر ذي الحجة وأيام ا...
2914
8

فضل العشر الأواخر من رمضا...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان فضل العشر الأواخر من رمضان
2333
0
Comments
Add Comment