تنبيه ذوي الألباب على منكرات تحصل في الانتخابات

Publish Date : 2023-05-15

Views: 685

download: 0

Share


    There are no files to download
add to favourites

تنبيه ذوي الألباب على منكرات تحصل في الانتخابات

الحمد لله الذي خلق الخلق فقدَّرهم تقديرا، وجعل منهم رعية وأميرا، ودبر الأمور تدبيرا، حَكَم بالقسط وأمَر بالعدل والإحسان، ونهىَ عن الجور والطغيان، ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾[الرحمن:7-9]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، دعانا إلى تحمل المسؤوليات، وحثنا على حفظ الأمانات، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه إلى يوم الحسابات. وبعد،

فإن شرْعَ الله -عز وجل- كاملٌ شاملٌ، لم يترك صغيرةً ولا كبيرةً مما يحتاج إليه الناس إلا بَيَّنَها وَوَضَّحَها، قال الله -تعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:3]، فهو دينٌ كاملٌ، نظم العلاقة بين العبد وربه، وبين العبد وغيره.

وإنَّ مما أوضحته شريعتُنا الغراء: صفاتِ من يكون أهلا لحمل المسؤولية العامة أو الخاصة، قال العلماء: يُشترط فيمن يتولى أمراً من أمور الناس: القوةُ والأمانةُ؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ القصص﴾[القصص:26]،فيكون عنده: درايةٌ فيما يتولاه، وعلمٌ بما نُصب من أجله، وخبرةٌ وبصيرةٌ بالأمور وبتدبيرها، وأمانةٌ وخوفٌ من الله؛ حتى لا يخونَ فيما وُلِّيَ إياه.

ويجب على حكام المسلمين تحكيم شرع الله -عز وجل-، وأما تحكيم الدِّيمقراطيّة -بجعلها نظاما للحكم في البلاد الإسلامية- فحرام باتفاق العلماء؛ لمناقضتها للعقيدة الصحيحة والشريعة الإسلامية التي أَمَرَنا الله -عز وجل- بالاحتكام إليها، حيث قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[يوسف:40]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾[الأحزاب:36].

وليس من حق أي أحد -كائنا من كان- أن يُشَرِّع تشريعا أو يسن قانونا يخالف ما شرعه الله -عز وجل-، إذ التشريع حق لله وحده، فلا يجوز الاحتكام إلى القوانين الوضعية، أو جعل الشعب مصدراً للسلطات؛ لمخالفتها لشرع الله -تعالى-، فمصدر الحكم والتشريع هو الله -سبحانه وتعالى-؛ من خلال كتابه وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[يوسف:40].

ومن الواضح أن الفرق بين شريعة الله وبين القوانين الوضعية -التي وضعها البشر- كالفرق بين الله -عز وجل- وبين خلقه، ولا يستوي تنظيم وضعه البشر مع شريعة أنزلها أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لتكون هداية ورحمة للعالمين.

هذا وإن هناك منكراتٍ ومخالفات شرعية كثيرةً تحدث في فترة الانتخابات من المرشحين والناخبين، يجب الحذرُ منها وعدمُ الوقوع فيها، منها:

1- تزكيةُ بعضِ المرشحين أنفسَهم بمدحها، بالتصريح أو بالتلميح، وقد نهى الله عن ذلك في خطاب صريح، قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾[النجم:32]، وكم جرّت تزكية النفس بأصحابها إلى الإعجاب والغرور، والاستعلاء عن قبول الحق، والنفور منه.

نَعَمْ قد يحتاج العبد إلى تزكية نفسه؛ لحاجة تتحقق بها مصلحة، حيث تكون تزكيةُ النفس وسيلةً لغاية حميدة، فيمدح المرء نفسه بالحق؛ لنفع الخلق، كما قال يوسف -عليه السلام-: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[يوسف:55].

2- مخادعة بعضُ المرشحين للناس بشعاراتٍ براقةٍ مشرقةٍ جاذبةٍ، ولكنها في حقيقتها حرّاقةٌ مظلمةٌ كاذبةٌ، والمخادعةُ من خُلُق المنافقين المتأصِّل فيهم، فهم يخادعون الله، ويخادعون المؤمنين، ويخادعون أنفسهم، قال تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾[البقرة:9].

3- شراء الذمم والأصوات، حيث يقوم بعض المرشحين بدفع الأموال أو الهدايا لبعض الناخبين مُقابِلَ التصويتِ له، وهذا حرام، فلا يجوز الدفع ولا الأخذ؛ لأن أحدهما راش والآخر مرتش، وقد جاء عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنه قال: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي». أخرجه أبو داوود (3680)، وصححه الألباني في الإرواء (2621)، ولأن هذا يؤدي إلى إعطاء الناخب صوته لمن لا يستحقه، وتولية من ليس أهلاً للتولية، وهو خيانةٌ وتضييعٌ للأمانة، وإقامةُ الشهادة لغير الله، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أُسنِد الأمر إلى غير أهله؛ فانتظر السّاعة». أخرجه البخاري.

4- نسبة بعض المرشحين النجاحَ لنفسه، كِبرَاً وطغياناً، وغُروراً وعِصياناً، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ﴾[العلق:6-7]، فيقول أنا حقيقٌ بهذا النجاح والفوز، أنا أهلٌ له، كما قال قارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾[القصص:78]، وكان الأولى أن يقول: ﴿هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾[النمل:40]

5- إلزام أعضاء المجلس المنتخَبين على احترام الدستور والإقسام على ذلك، وهو بدعة ومعصية، ولا سيما إذا كان الدستور يخالفُ شريعة الإسلام ويصادمُها، فإذا كان القَسم لازماً للعضو، ولا تتم عضويته في المجلس إلا به، فقد ذكر بعض العلماء أن له أن ينوي تخصيص القسم بما لا يخالف الشريعة من مواد الدستور؛ لأنه يجوز تخصيص اليمين بنية الحالف، واليمين إذا كانت لرفع الظلم أو دفعه فالمعتبر نية الحالف لا المستحلف، فيجوز لعضو المجلس الذي يقصد بدخوله البرلمان تقليل المفاسد الناتجة عن القوانين الوضعية الظالمة، أو دفع المفاسد الناتجة عن تشريع المزيد من تلك القوانين، أن يحلف على احترام الدستور؛ بشرط التورية بأن يخصص القسم بما لا يخالف الشريعة من مواد الدستور.

6- التعصب الطائفي والقبلي والحزبي، فلا يصح -ولا يجوز- أن يقوم أشخاص بالتصويت لمرشح لمجرد كونه ابن مدينتهم أو قبيلتهم أو حزبهم أو طائفتهم، ولا يجوز ترك التصويت للكفؤ الأمين لمجرد العناد والتعصب ضد قبيلته أو جماعته، فقد جاء الإسلام لينهى عن تلك العصبية الممقوتة؛ لأن فيها اتِّباعا للهوى وغمْطا للحق، وإنكاراً للعدل، وتسويغا للباطل، وقد  قال صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح-: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾[النساء:135]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾  [المائدة:8].

7- تصويت بعض الناخبين للمرشح الذي يطالب بالأمور الدنيوية فحسب؛ كالتطوير وزيادة الرواتب ورفع الاقتصاد وبناء الجسور وإصلاح الطرق، أما الأمور الدينية فلا تهمهم، قال تعالى: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران:152]، وقال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾[الشورى:20].

8- نقل الأصوات الانتخابية من دائرة إلى أخرى من أجل التصويت لمرشح معين، حيث يقوم المرشح أو الناخب بتزوير عقد الإيجار، والحصول وفق ذلك على بطاقة فيها العنوان المزوّر، مع أن الشخص المنقول لا يُقيم في المنطقة المسجل فيها، فهذا حرام؛ لأنه من الغش والتزوير الذي هو من أكبر الكبائر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثا «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور -أو قول الزور-» وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متكئا، فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه.

9- ذمُّ بعض المرشحين من أجل رفعِ مرشحين آخرين، والقيلُ والقالُ، والنميمةُ والغيبةُ والبهتانُ، والسخريةُ والاستهزاءُ، وكثرةُ السبِّ والشتمِ والفحشِ في القول، والتعرضُّ للأعراض واللعنُ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾[الحجرات:11-12]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: «ومن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله»، أخرجه البخاري.

10- كثرة الإشاعات ونشر الأخبار قبل التثبت، فلابد من التثبت والتبين فيما يروج من أخبار وإشاعات، فالعاقل لا يعتمد على نُقول الناس وأقوالهم، فإن تناقل القول بين الناس ليس دليلًا على صحته، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[الحجرات:6]، وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله تعالى-: "من الغلط الفاحش الخَطِر؛ قبول قول الناس بعضِهم في بعض، ثم يبني عليه السامع حُبًّا وبغضًا ومدحًا وذمًّا، فكم حصل بهذا الغلط أمور صار عاقبتها الندامة، وكم أشاع الناس عن الناس أمورًا لا حقائق لها بالكلية، أو لها بعض الحقيقة، فنمِّيَت بالكذب والزور، وخصوصًا مَن عُرفوا بعدم المبالاة بالنقل، أو عرف منهم الهوى، فالواجب على العاقل التثبت والتحرز وعدم التسرّع، وبهذا يُعرف دين العبد ورزانته وعقله" اهـ. الرياض الناضرة (ص: 272- 273)

11- الحلف على إعطاء الصوت لمرشح معين، ويزداد الأمر سوءاً بأنْ يحلف على المصحف، فلا يجوز شرعا تحليف الناس على المصحف للتصويت لشخص معين؛ لأن الأيمان لم تشرع لهذا الأمر، قال تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:224]، ولأن الحلف على المصحف بدعة محدثة، لم يكن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا في عهد الصحابة، بل حتى بعد تدوين المصحف.

فمن حُلِّف على التصويت لشخص، وكان قد نوى فيما سبق التصويت له، فلا يلزمه أن يحلف فضلا عن الحلف على المصحف، وإن احتاج للحلف فليحلف بالله -سبحانه وتعالى-، ولا حاجة إلى أن يأتي بالمصحف ليحلف عليه، ومن وَعد شخصا بالتصويت له -وهو كفؤ- فعليه الوفاء بما وعد، حلف أم لم يحلف، ومن حلف على التصويت لشخص ثم علم أنه ليس كفؤا، فعليه أن يتحلّل من هذه اليمين بالتكفير، ويصوت للأصلح في دينه ودنياه، قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها؛ فليأت الذي هو خير، وليُكفِّر عن يمينه». أخرجه مسلم.

فعلينا بتقوى الله في المسؤوليات والأمانات، والإدلاء بالشهادات، والتمسك بدين الله -عز وجل- الذي ارتضاه لنا.


Comments

no comments

Add Comment

You Have reached the limit

0 /