أنواع الطواف وشروطه
Publish Date : 2022-06-26
Views: 2776
download: 5
مقالات الحج وعشر ذي الحجة (14)
أنواع الطواف وشروطه
المسألة الأولى: الطَّوافُ: هو التعبّدُ لله عزَّ وجلَّ بالدّوَران حولَ الكعبةِ سبع مرات تعبدًا لله مبتدئًا بالحجر الأسود ومنتهيًا إليه ويجعل الكعبة عن يساره.
المسألة الثانية: أنواع الطواف حول الكعبة:
النوع الأول: طواف العمرة، وهو ركن من أركانها، لا تصح بدونه.
النوع الثاني: طواف القدوم للحج، ويسمى طواف التحية، وهو سنة في حق الحاج القارن والمفرد([1]).
النوع الثالث: طواف الإفاضة في الحج، ويسمى طواف الزيارة، وأجمع الفقهاء على أنه ركن من أركان الحج سواء كان الحاج متمتعا أو قارنا أو مفردا؛ لقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج: 29].
ووقته يبدأ بعد الوقوف بعرفات والمبيت بمزدلفة على ما ذكرناه في مقال أركان الحج.
النوع الرابع: طواف الوداع، ويسمى طواف الصدر، ويكون بعد انتهاء أعمال الحج والعزم على الخروج من مكة المكرمة، وهو واجب على كل حاج ما عدا الحائض والنفساء عند الجمهور؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلَّا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ»([2])، وفي رواية له أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتَّى يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبَيْتِ»([3]). ومن تركه وجب عليه ذبيحة تجزئ أضحية([4]).
ويستحب طواف الوداع للعمرة ولا يجب([5])؛ لعدم الدليل على الوجوب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف للوداع عند خروجه من مكة بعد عمرة القضاء فيما علمنا من سنته في ذلك.
النوع الخامس: طواف النذر، وهو واجب على من نذر الطوافَ بالكعبة.
النوع السادس: طواف التطوع، وهو ما يتعبد به المرء غير ما ذكر. وهو سنة في كل وقت؛ لحديث جبير بن مطعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا بني عبد مناف إن وليتم من هذا الأمر فلا تمنعوا أحدًا طاف أو صلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار»([6]).
ومما جاء في فضله حديث ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن طاف بهذا البيتِ أُسْبوعًا فأحصاه، كان كعِتْقِ رقبةٍ؛ لا يضَعُ قَدَمًا، ولا يرفَعُ أخرى، إلَّا حَطَّ اللهُ عنه بها خطيئةً، وكَتَبَ له بها حسنةً»([7]).
المسألة الثالثة: شروط صحة الطواف:
1- أن يكون الطائف مسلمًا: فلا يصح الطواف من الكافر باتفاق العلماء؛ لأن الطواف عبادة، والعبادة لا تصح ولا تقبل من الكافر؛ لأنه ليس من أهلها.
2- أن ينوي الطائف الطواف([8])؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيَّاتِ»([9]).
3- أن يكون الطائف عاقلًا؛ فلا يصح الطواف من المجنون([10])؛ لأنه لا نية له.
4- أن يطوف طواف الإفاضة – وهو الركن - في وقته المحدد شرعًا، ووقته يبدأ من منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة ومزدلفة، وإلا فبعد الوقوف فيهما([11]).
5- أن يكون الطائف ساترًا لعورته، واتفق العلماء على وجوب ستر العورة في الطواف، بل ذهب الجمهور([12]) إلى أنه شرط لصحة الطواف؛ لحديث: «...ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ»([13]).
6- أن يجتنب الطائف النجاسة في بدنه أو ثوبه([14])؛ لقوله تعالى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[الحج:26]. فإذا أمر الله عز وجل بتطهير مكان الطائف، فتطهير بدنه وملابسه من باب أولى.
7- أن يكون الطائف متطهرًا من الحدث الأكبر([15])؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت في الحج: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»([16]).
ويشترط أن يكون الطائف متطهرا من الحدث الأصغر([17])؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ، إِلاَّ أَنَّكُم تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلا يَتَكَلَّمَنَّ إِلاَّ بِخَيرٍ»([18]).
وجه الدلالة: أنه جعل الطواف مثل الصلاة، والصلاة يشترط لها الطهارة من الحدثين واجتناب النجاسة لبدنه وثوبه، فكذلك في الطواف.
8- أن يطوف الطائف سبعة أشواط([19])؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعًا، وقال: «يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد حجتي هذه»([20]).
9- أن يكون الطواف بجميع البيت، بإجماع العلماء([21])؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج:29]. وهذا يقتضي الطواف بجميعه.
ولذلك لا يصح الطواف داخل الْحِجْرِ لأنه من البيت؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «سَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِجْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ»([22]).
10- أن يكون الطواف بالكعبة داخل المسجد الحرام، بإجماع العلماء([23])؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾، ولم يأمرنا بالطواف حول المسجد الحرام.
11- أن يطوف جاعلا البيت عن يساره([24])؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف هكذا، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حجتي هذه»([25]).
12- أن يبتدئ الطائف الطواف بمحاذاة الحجر الأسود([26]).
13- أن يوالي الطائف بين الأشواط السبعة فلا يفصل بينها بفاصل كبير([27])؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف هكذا وقال: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»([28]).
أما الفاصل اليسير عُرْفًا فلا يؤثر، كأن تقام الصلاة أو تحضر الجنازة أثناء الطواف فإنه يصلي ثم يكمل طوافه ولا يستأنفه من جديد.
14- اتفق الفقهاء على صحة الطواف راكبًا إذا كان لعذر؛ لحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي، قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»([29]).
وذهب الجمهور([30]) إلى صحة طواف الراكب بدون عذر -أيضًا-؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه: «أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَافَ بالبَيْتِ وهو علَى بَعِيرٍ، كُلَّما أَتَى علَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بشيءٍ في يَدِهِ، وكَبَّرَ»([31]).
المسألة الرابعة: يسن أن يصلي الطائف بعد الطواف بجميع أنواعه ركعتين خلف مقام إبراهيم إذا تيسر ذلك، فإن لم يتيسر صلاهما في أي مكان في المسجد الحرام([32])؛ لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: «حتَّى إذَا أَتَيْنَا البَيْتَ معهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَام، فَقَرَأَ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة:125]، فَجَعَلَ المَقَامَ بيْنَهُ وبيْنَ البَيْتِ، فَكانَ أَبِي يقولُ -وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إلَّا عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: كانَ يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، وَ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾. ثُمَّ رَجَعَ إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إلى الصَّفَا»([33]).
أ.د. حمد بن محمد الهاجري
أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية
كلية الشريعة - بجامعة الكويت
([1]) وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة. وذهب المالكية إلى أنه واجب، ومَن تركه فعليه دم.
([2]) متفق عليه: رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328).
([3]) رواه مسلم (1327).
([4]) وذهب المالكية إلى أن طواف الوداع سنة ولا يترتب على تركه شيء.
([5]) باتفاق المذاهب الأربعة.
([6]) رواه الخمسة: أبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي في «المجتبى» (585)، وابن ماجه (1254)، وأحمد (16736). وقال الترمذي: "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (868).
([7]) أخرجه الترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء في استلام الركنين (284/2) برقم (959)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (28/2).
([8]) وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة. ينظر: حاشية ابن عابدين (523/2/)، مواهب الجليل للحطاب (119/4)، الإنصاف للمرداوي (19/4).
([9]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/1) برقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية» (1515/3) برقم (1907)، واللفظ للبخاري.
([10]) وهذا مذهب الشافعية والحنابلة. ينظر: المجموع للنووي (21/7)، كشاف القناع (485/2).
([11]) وهو مذهب الشافعية والحنابلة واختاره الشيخ عبدالعزيز بن باز. ينظر: مجموع الفتاوى (203/26)، (231/26).
([12]) وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (94/4)، المجموع للنووي (16/8)، الإنصاف (16/4).
([13]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب لا يطوف البيت عريان (153/2) برقم (1622).
([14]) وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (68/3)، المجموع للنووي (15/8)، المغني لابن قدامة (343/3)
([15]) وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ينظر: شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب (2/ 142)، المجموع للنووي (14/4) (110/8)، الإنصاف للمرداوي (19/4).
([16]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها (159/2) برقم (1650)، ومسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (873/2) برقم (1211).
([17]) وهو مذهب الجمهور. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (68/3)، المجموع للنووي (15/8)، الإنصاف للمرداوي (19/4).
([18]) أخرجه الترمذي في كتب الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف (285/2) برقم (960)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (501/6).
([19]) وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (90/4)، المجموع للنووي (14/8)، الإنصاف للمرداوي (16/4).
([20]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا (934/2) برقم (1297).
([21]) ينظر: مواهب الجليل للحطاب (70/3)، تبيين الحقائق (16/2)، المجموع للنووي (22/8)، المغني لابن قدامة (347/3)
([22]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها (146/2) برقم (1584)، ومسلم في كتاب الحج، باب جدر الكعبة وبابها (973/2) برقم (1333).
([23]) ينظر: المجموع للنووي (39/8)، البحر الرائق (253/2)، مواهب الجليل للحطاب (105/4)، الإنصاف للمرادوي (16/4).
([24]) وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (96/4)، المجموع للنووي (60/8)، الإنصاف للمرداوي (16/4).
([25]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا (934/2) برقم (1297).
([26]) وهذا مذهب الشافعية والحنابلة ورواية عند الحنفية وقول عند المالكية. ينظر: البحر الرائق (332/2)، مواهب الجليل للحطاب (90/4)، المجموع للنووي (32/8)، الإنصاف للمرداوي (16/4).
([27]) وهذا مذهب المالكية والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (105/4)، الإنصاف للمرداوي (19/4).
([28]) أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (908). وهو عند مسلم (1297) بلفظ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ».
([29]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إدخال البعير في المسجد للعلة (100/1) برقم (464)، ومسلم في كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره (927/2) برقم (1276).
([30]) وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة. ينظر: بدائع الصنائع (130/2)، حاشية الدسوقي (40/2)، المغني لابن قدامة (358/3).
([31]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب المريض يطوف راكبًا (155/2)، برقم (1632) ومسلم في كتاب الحج باب جواز الطواف على بعير وغيره (926) برقم (1272)، واللفظ للبخاري.
([32]) وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة.
([33]) رواه مسلم (1218).
Suggested Articles

حكم عيد ميلاد المسيح (الك...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان حكم عيد ميلاد المسيح (الكريسماس)
2072
17

المعتبر في النصاب مال كل...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان المعتبر في النصاب مال كل فرد على حد...
689
0

الإشارات المغنية في أحكام...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان الإشارات المغنية في أحكام الأضحية
2459
3
Comments
Add Comment