الإفصاح عن محطات من حياة الشيخ فلاح مندكار رحمه الله
تاريخ النشر : 2020-10-21
عدد المشاهدات : 731
مرات التحميل : 11
الإفصاح عن محطات من حياة الشيخ فلاح مندكار رحمه الله
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن حكاية سِيَر الصالحين وذكر محاسنهم تبعث على محبتهم والتأسي بهم، وفيها شحذ للهمم، وتقوية النفوس وتنشيطها على الطاعات وفعل الخيرات، ﴿لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الألْبابِ﴾[يُوسُف:111]. قال محمد بن يونس: "ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين"، وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: "الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إليّ من الفقه؛ لأنها آداب القوم". ترتيب المدارك(1/23).
ولهذا أحببت الإفصاح عن محطات يسيرة من حياة شيخنا العالم الجليل فلاح بن إسماعيل مندكار، ذلك الطود الشامخ، والعلم الراسخ، العالم الفاضل، الذي أفنى حياته في الدعوة إلى التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل.
طلبه للعلم: كان الشيخ -رحمه الله- في بداية شبابه مدرسا للغة الإنجليزية، ثم تفرَّغ بعدُ لطلب العلم الشرعي، فرحل إلى المَعين الصافي، والمورد العذب النمير، ألا وهو المدينة النبوية، فدرس في المسجد النبوي الشريف، والجامعة الإسلامية بها، وأخذ عن علمائها الكبار النحارير، الجهابذة المشاهير.
مشايخه: تتلمذ الشيخ -رحمه الله- على ثلة من كبار العلماء في بلاد الحرمين الشريفين -حرسها الله- وكان محباً للعلماء؛ وخاصةً مشايخه الذين تلقى عنهم العلم، فكثيرا ما كان يتحدث عن فضلهم ومواقفهم وسيرتهم الحسنة، ويدافع عنهم، ويذب عن أعراضهم، ومن أبرز مشايخه: العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ حماد بن محمد الأنصاري، والشيخ محمد أمان الجامي، والشيخ عبدالقادر حبيب الله السندي، والشيخ عبدالكريم مراد الأثري، والشيخ عبدالصمد بن محمد الكاتب، والشيخ محمد المختار الشنقيطي، والشيخ عمر محمد فلاتة، والشيخ أبو بكر جابر الجزائري، والشيخ علي سنان، والشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد، والشيخ د. ربيع بن هادي المدخلي، والشيخ د. عبدالله بن محمد الغنيمان، والشيخ د. علي محمد ناصر فقيهي، والشيخ د. محمد حمود الوائلي، والشيخ د. صالح بن سعد السحيمي، والشيخ عبيد بن عبدالله الجابري، وغيرهم ممن نهلَ الشيخ من علومهم واستفاد من حِكمهم وأخلاقهم، رحم الله من مات منهم وحفظ من بقي.
مكانته العلمية: لم يزل الشيخ -رحمه الله- منذ وطئت قدمه المدينة النبوية يتردد بين المسجد النبوي والجامعة الإسلامية يواصل الليل بالنهار مجتهداً في طلب العلم، حتى منّ الله عليه بالحصول على شهادة الدكتوراه في تخصص العقيدة، وأصبح عالماً يُشار إليه بالبنان، فطارت بصيته الركبان، وشُدّت إليه الرحال؛ للنهل من معين علمه الزلال.
الشيخ معلِّما: رجع الشيخ -رحمه الله- بعد تخرجه في الجامعة الإسلامية إلى بلده (الكويت)؛ لينشر علمه، وينذر قومه، فعمل أُستاذاً في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، مع التدريس والخطابة في أحد المساجد، ممتثلاً قوله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[التَّوۡبَة:122]، ثمَّ نظراً لظروفه الصحية توقف عن الخطابة.
انضباطه في عمله: كان الشيخ -رحمه الله- معروفا بالانضباط في عمله، يبدأ المحاضرات من أول يوم من الفصل الدراسي إلى آخر يوم، ولا يتخلف عن محاضرة إلا لعذرٍ قاهر، بل كان يتحامل على نفسه بالحضور للمحاضرات مع بعض الأعذار؛ حرصا منه -رحمه الله- على إنهاء المقررات الدراسية وإفادة الطلاب قدر المستطاع، مع أن المعتاد تنازل بعض الأساتذة عن آخر محاضرتين؛ لمنح الطلاب فرصةً أكثر للمذاكرة والمراجعة للاختبار النهائي.
ولغزارة علم الشيخ -رحمه الله- ولأسلوبه الحسن في توصيل المقرر الدراسي، وشفقته ومحبته بطلابه وإحسانه إليهم، كان الطلاب والطالبات في بداية الفصل الدراسي يُقبلون عليه لتسجيل المقررات عنده، فكانت تصل مقرراته في الغالب إلى الحد الأقصى من عدد الطلاب المسموح به، بل كان يحضر القاعة -مع طلابه المسجلين في المقررات عنده- كثير ممن يريدون السماع من الشيخ والاستفادة من علمه -رحمه الله-؛ وذلك لغزارة علمه، وحرص الطلاب على التتلمُذ عليه، والاستفادة منه، وإنْ لم يتمكنوا من تسجيل المقررات عنده، ولم يكن هذا يحصل عند غيره من الأساتذة إلا نادراً.
المناصب التي تقلدها: كان الشيخ -رحمه الله- أستاذاً وعضواً في هيئة التدريس بقسم العقيدة والدعوة في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، يدرس في المرحلة الجامعية ومرحلة ماجستير العقيدة، وتولى رئاسة قسم العقيدة والدعوة في الكلية، ثم عُين مديراً لبرنامج ماجستير العقيدة، وكان يناقش الرسائل العلمية ويشرف عليها، وعُين عضوا في هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكان الشيخ أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية تراحم للأعمال الخيرية والإنسانية.
خُلقه: كان الشيخ -رحمه الله- ذا أخلاق عالية، وآداب راقية، عابداً خاشعا، زاهداً متواضعاً، هيناً ليناً، رقيقاً رفيقاً رحيماً، بارًّا بوالديه، واصلاً لِرَحمه وأقاربه، وكان -رحمه الله- يحظى بمحبة كل مَن عرفه أو سمع عنه، حتى المخالفين له؛ وذلك لحسن خلقه.
وكان باسطا يده للمحتاج إحساناً، كثير المساعدة والسعي للمحتاجين والفقراء والملهوفين والضعفاء، ولا أدري كم مرة هاتَفني الشيخ يطلب مساعدة جمعية تراحم لبعض الضعفاء، بل كان -من تواضعه- يزور بنفسه الجمعية ليُطْلعها على المحتاجين ويحث على مساعدتهم، وكنت أجيبه بموافقة الجمعية على طلبه وتنفيذه وأنه لا داعي لمجيئه للجمعية، نظراً لكبر سِنه وكونه يمشي على عكاز، وإن كان لا بد من المجيء فأنا آتيه في بيته، إلا أنه في أكثر المرات كان من تواضعه يرفض ويُصر على المجيء بنفسه للجمعية، فكم سيكتوي بنار فقد الشيخ من الفقراء والضعفاء؟
ومن تواضعه -رحمه الله- أنه كان مع غزارة علمه وكبر سنه يحضر الدورات العلميةَ التي يقيمها في الكويت مشايخ وعلماء من خارج الكويت، ويحضرها من بدايتها إلى نهايتها، مع كونه أكبر سنًّا من كثير من أولئك المشايخ.
حرصه على الدعوة ونشر العلم: كان الشيخ -رحمه الله- حريصاً على نشر العلم والسنة والعقيدة الصحيحة، وتعليم الناس العلمَ النافع، والرد على أهل البدع والأهواء بالتي هي أحسن، وقد رحل إلى عدد من الدول للدعوة إلى الله وإقامة الدورات العلمية، وكان لرحلاته وزياراته أثر بالغ في تلك البلدان.
اهتمامه بالشؤون الاجتماعية: كان الشيخ -رحمه الله- يهتم بالشؤون الاجتماعية، لا يترك مناسبة لأحد من معارفه إلا وكان في طلائع الحاضرين، فيحضر الأعراس والحفلات، ويعود المرضى، ويشهد العزاء.
وكان -رحمه الله- حريصا على جمع الكلمة واتحاد الصف، محذرا من الفتن والقلاقل وشق عصا المسلمين وتفريق جماعتهم.
كما كان الشيخ حريصاً على إصلاح ذات البين، فما إن يعرف نشوبَ خلاف -أو شحناء- بين بعض الإخوة إلا سعى سعياً حثيثاً للإصلاح بينهم، وإخماد نار الفتنة، وكان يجمع المشايخ وطلاب العلم ليعينوه في الإصلاح بين الناس.
كرمه: من كرم الشيخ -رحمه الله- أنه كان يستضيف المشايخ وطلاب العلم الذين يأتون من الخارج، ويسكنون عنده في البيت، يستضيفهم طوال إقامتهم في هذه البلاد، وأحياناً -بل كثيراً- ما تطول مدة إقامة بعضهم لعدة أشهر ولا يزالون في سكن الشيخ وضيافته.
طلابه: تتلمذ على الشيخ -رحمه الله- عدد كثير من الرجال والنساء داخل الكويت وخارجها، منهم أساتذة في كلية الشريعة ودور القرآن والمدارس، ومنهم أئمة وخطباء ومؤذنون في المساجد، وهم الآن -بفضل الله عز وجل- يقومون بالدعوة والتدريس.
مؤلفاته: خلّف الشيخ -رحمه الله- كثيراً من المؤلفات التي انتفع بها الكثير من الناس، ومنها: العلاقة بين التصوف والتشيع (رسالة الدكتوراه)، تحقيق جزء من شعب الإيمان للبيهقي (رسالة الماجستير)، نزعة التكفير: خطورتها وعلاجها، الرقى الشرعية بين التنزيل والتطبيق، الاعتقاد الواجب نحو الصحابة، الاعتقاد الواجب نحو القدر، الاعتقاد الواجب في محبة الله، شرح أصول السنة للإمام أحمد، طاعة ولي الأمر واجب شرعي وأصل عظيم من أصول الدين، الأشاعرة ليسوا من أهل السنة والجماعة، العقيدة أولاً (مقال).
صبره على البلاء: أصيب الشيخ -رحمه الله- ببعض الأمراض التي أدت إلى دخوله المستشفى أكثر من مرة، وأجرى عددا من العمليات في القلب، ثمَّ أجرى عملية في رجليه وأصبح بعدها يمشي على العُكاز، وكان في ذلك كله صابراً محتسباً، حتى أصيب أخيراً بفيروس كورونا؛ الذي توفي بسببه ليلة الخميس الخامس من ربيع الأول عام 1442هـ، الموافق لـ 21/10/2020م.
اللهم اغفر لشيخنا فلاح بن إسماعيل مندكار وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار.
مقالات مقترحة

متى يجوز الحلق وتقليم الأ...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان متى يجوز الحلق وتقليم الأظفار لمن ك...
1830
12


كلمات في رثاء الشيخ صالح...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان كلمات في رثاء الشيخ صالح اللحيدان ر...
1905
8
التعليقات
أضف تعليق